Sunday, August 22, 2010

الوردة التي تبقى

كم هي الوردة جميلة في منظرها ، ساحرة في لونها ، أخّاذة في

عطرها ، تشدك إليها في صمت ، وتأخذ بلباب عقلك في حياء ،

حتى تغدو أمام غيرك شاردًا ، وادعًا ، وما هي إلا لحظات وتجد

نفسك هادئ النفس ، واسع الصدر ، تتمنى حينها أن تبقى هذه

الوردة ، لتدوم هذه النظرة ، لتستمر هذه السعادة .

ولكن .. أنّى لهذه الوردة الفاتنة كل هذه العطاء .. إن لم تسق

بالماء !! وهي مع هذا آيلة إلى الذبول والفناء .
غير أني أدعوك أن تقترب من وردة تعطيك عطاء أبلغ من عطاء

هذه الوردة التي انشرح صدرك لها ، وأنِسْت بالنظر إليها ، وهي

مع هذا لا تعرف الفناء ، بل تتسم بالخلود والبقاء !!

وكما احتاجت تلك إلى الماء لتبقى .. ثم لتفنى ، فإن هذه الوردة

تحتاج إلى أمر آخر لتبقى ولا تفنى .
لعلك أدركت المقصود .. فإن مثل هذه الوردة كمَثَلِ الحياة الزوجية

السعيدة ،
المملوءة بالمودة والصفاء ،
الممزوجة بالمحبة والوفاء
،
ألا يتمنى الزوجان فيها أن تبقى حياتهما كذلك ،

لا في الدنيا فحسب ، .. بل في الآخرة أيضًا ؟
قل : نعم ..
إذاً ... فإنها تحتاج إلى أن تسقى بالإيمان ،

وترعى بالخشية من الرحمن ،
وتصفو بمحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ،

وتتآلف على القرآن ،
وتتعاهد على نبذ المعاصي ، وتتعاون على البر والتقوى ،

وتنذر نفسها للدعوة إلى الله .. في نفسها ، وبين الذرية والأهل والإخوان ،
وتتراحم بقيام الليل ، وتتزكى بصيام النهار ، وتسمو بالجود

والكرم ، وتجتمع قلوبها على النصح بالحكمة والموعظة الحسنة

، وتتحد صفوفها أمام إغراءات المنكر ، وتسارع في الخيرات

وتقنع برزقها ، وتصبر في شدائدها ، وتهفو نفوسها إلى إعداد

جيل صادق مع ربه ، باذل لدينه ، عامل لوطنه

كم تشدني تلك الصورة الزوجية الحانية التي يقول

الرسول صلى الله عليه وسلم فيها :
(
رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى ، ثُمَّ أَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ ،

فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ ، وَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ

فَصَلَّتْ ، ثُمَّ أَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى ، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ )

رواه النسائي
ألا ما أسعدها من ساعة إيمان ، وما أرقه من نضح وفيّ ،

وما أعذبه من ماء مخلص .
ألا تستحق حياة هذين الزوجين أن تبقى ولا تفنى ،

ولم لا تبقى ، والله تعالى يقول
: { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ

وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ .

سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ }

.وهو القائل سبحانه :

{ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ .

هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ }.

فما أرخص حياتنا إن كانت وسيلة إلى شقوة الآخرة ،
وما أغلاها إذا كانت وسيلة إلى سعادتها

No comments: