Monday, December 24, 2007

أحبك .. حتى البكاء


فاروق شوشة
أحبك حتى البكاء
وأعلم أن الذي بيننا
ليس نزوا
ولا هو محض اشتهاء
ولكن معناهُ فيكِ ومنكِ
وفي لحظةٍ جمعت تائهينِ
على رفرفٍ من خيوط السماء
فكان انجذابٌ، وكان ارتواءُ
جعل الشجر المتباهي بكل عناقيده المترعاتِ
يرى في تطاوله فرصة لاحتواء المسافة
بيني وبينكِ
مدُّ الظلالِ،
لعل الظلال تشارفُ حّد السماء
فتأوي إليه
وتبسط بين يديه احتياج الوليفين للعشِّ
توق الحناجر، وهي مكتلة، للغناءْ!
هل الأرض تدري بأن خطاك الخفيفة
مسرعة في المروق،
وذائبة في العروق
تسابق عُمرين يصطرعان
لأن الذي قد تبقى من الوقت أصغر من رشفةٍ
وأقل من اللحظةِ السانحة
فكيف يقالُ الكلامُ الكثير بلفظٍ وحيد؟
وكيف نُطيق احتشاد الوعود ليوم جديد؟
وكيف نزيحُ انكسار زمانٍ ثقيل بليد؟
لنفسحَ فينا مكاناً،
لطلةِ حُبً جديد

أحبكِ
حبيّ من الحب انك لي
وأنك - من بين كل النساء حصيلة عمرٍ حفيل
وتوقٍ طويلٍ طويل
ولذع الرهان المراوغ
يُفلت من قبضة المستحيل
لكي تُصنعي مثلما قد حلُمتُ
وتأتين فارسةً في السباقِ الطويل
فكيف أجاريكِ
سابحةً في المدار
وساطعةً كالنهارِ
ومنغرقةً كالبحار
وقافزة فوق كل السدود التي تتساقطُ
تحت سنابك هذا الجوادِ الأصيل
رويدكِ لا تقلعي في السحاب
ولا تُشعلي البرق والرعدَ
لا تستثيري التخوم البعيدة
وهي تُحّدق جازعةً
تترجرجُ عند اقتراب الصهيل
فها أنتِ..
لا تُشبهين اختلاط الفصول
ولغو الشتاتِ
وفوضى الصفاتِ
ودمدمة القابعين بأحداقهم



ومرارات أيامهم
يلوكون عجز الزمان الذليل
وحين تحاول أعناقهم أن تشبّ
تناطحهم صخرة المستحيل!


أحبكِ حتى البكاء
وليس البكاءُ نهاية ما يمكنُ البوحُ به
ولكنه خاتمةٌ لتجمع بخار الصبوات المؤجلة
واختبار الساعات المحبطة، طويلا
ها أنتِ على رفرفِ الكون
أبعد من نجمٍ وحيد مراوغ
وأقربُ من دهشةٍ مفاجئة
تُلقي بجمرها على الوجوه الصلدة المقفرة
وتُنبتُ فيها الحياة
فتخضوضرُ صفحتها بالرغائب
مُدي يديك لنعتصر معاً عناقيد الفرح
واغرفي من البئر الممتلئة بكل فُصول الحياة
ريّاً لظمأ قديم
وعطشاً لزمان قادم!
لم توهب أنثى ما وُهبته من ألفةٍ وحيوية
يداك تتنافسان في إبداع حياةٍ لا سابقة لها
فكل ما تُبدعينه هو على غير مثالٍ سابق
لا تُعيدين، ولا تقلدين
ولا تستريحين الى طريقٍ عبدّه السابقون
فلديكِ من القدرة على الإدهاش
ومن وفرة الاحساس
واشتعال الحُميّا
ما يجدد اللحظة باللحظة
ويملأ الوقت بالوقت
ويفيض على الزمن بالغنى والحركة
والإيقاع الجياش الذي يفور دوماً
ولا يهدأ!


أحبكِ حتى البكاء
كأن البكاءَ طريقي إليكِ،
وفي موكب الدمع أصعد،
معراج روحي بهاؤكِ
سدرة دربي ظلالٌ من السدرِ
تبسطُ لي رحمةً،
وتُناولني بعض ماء
ويلتفُ منكِ الشعاعُ الذي يحتويني
يخيل لي تارةً أنه ومض جسرٍ
وآنا ألاحقه كالسرابِ المُراوغِ
وأعلمٌ أنك ما زلت أبعدَ
أبعدَ من كل ما يستبيني
وأبحثُ عنه،
وألهثُ محتمياً في يقيني
يقيني الذي يتشققُ
حين تداهمهُ طرقاتُ الغزاة
فيصبحُ حلمي الجميلُ شظايا
ويصبح ما كان عمراً.. بقايا
وأصعدُ
- ما زلتُ أصعدُ -
منكسراً، كالزمان الحزينِ
ودمعي براءةُ توقي
واشراقُ رُوحي
وسهمي الذي حين أطلقُ
يرتدّ،
منغرزا في الصفاء الطعين
وأنتِ، شبيهة نفسكِ وحدكِ
تجيئينَ
- من دون كلِّ النساء-
تميمة حُبً،
وأيقونةً لصلاةٍ تؤملُ سقيا،
وفيض عزاء
أحبكِ.. حتى البكاءْ!

No comments: