** الحوار بين الزوجين هو مفتاح التفاهم والانسجام، وهوأقصر القنوات التي توصل بين قلبي الزوجين معاً ..
وهذا الحوار والتواصل هو تعبير عن نفسيهما ومكنونات صدريهما وطموحاتهما وآمالهما وآلامهما، لذا كان تعلم فن التواصل الناجح وممارسته في الحياة الزوجية من أهم العوامل التي تحقق الانسجام والتفااهم الزوجي والاستقرار الأسري. لكن الزوجين لا يعيشان في جزيرة وحدهما بعيداً عن بني البشر، فهما فردان من الأسرة وينتميان حتماً إلى حضن عائلي أنبتهما ويؤثر فيهما ويتأثر بهما. وهكذا، فالحوار بين الزوجين لا يستقيم بمنأى عن علاقة الزوجين بأفراد أسرة الزوج أو أسرة الزوجة (وهي ما تسمى بالأسرة الممتدة)، فكيف تؤثر علاقة هذه الأسر الممتدة (مع التركيز على شخص الحماة) على الحوار بين الزوجين ؟ هل تؤثر إيجاباً أو سلباً؟ وما حدود تعامل الزوجين معها من أجل الحفاظ على الزواج وإنجاح الصلة الزوجية؟ وكيف يمكن استثمار العلاقة مع الحماة لإنجاح وتطوير الحوار بين الزوجين ؟ .. هذا ما نتعرف عليه من حلال إجابات الأساتذة والمختصين في المجال الشرعي والتواصل الأسري وعلم النفس الاجتماعي.
طبيعة العلاقة، آثارها على الحوار
يعتبر أ. محمد بولوز. باحث في مجال الدراسات الاسلامية وعضو رابطة علماء المغرب وواعظ بمساجد الرباط ، أن علاقة الزوجة بأم زوجها هي من أكثر العلاقات الإنسانية التي أسيء فهمها، ويكفي أن يكون نقص سلوكي في الكنية ( زوجة الابن ) أو الحماة حتى يتأزم غالباً وضع الحوار والتواصل بين الزوجين ،مع كثرة الاحتكاك وخصوصاً عند الزوج، وفي كثير من الأحيان ينتهي الأمر بالطلاق وأحياناً بإهمال الأم وعقوقها وقطع رحمها.
حلول لتأسيس علاقة زوجية ناجحة
ولتأسيس حوار ناجح بين الزوجين بمنأى عن تدخلات أم الزوجة أو أم الزوج، يحدد أ. محمد بولوز الحلول لهذه المعضلة من خلال مستويات عدة ، وهي:
أولاً:مستوى الزوج. الابن:
هنا ينبغي التذكير بأن الحل في بعض جوانبه ليس بيد الزوجة أو بيد الحماة وإنما بيد الزوج، حيث إذا وقف بجانب زوجته خسر أمه وإذا وقف بجانب أمه خسر زوجته.
وفي النظر الشرعي ينبغي للزوج تقديم طاعة الأم على الزوجة في المعروف وعدم ظلم الزوجة، حتى لا يسقط الرجل في العقوق أو الظلم وليتذكر أن الأم لا تكون إلا واحدة بينما إذا خسر زوجته يمكن أن يجد زوجات ، وليعلم الرجل أن أولى الناس به أمه بالدرجة الأولى ثم أبوه ثم زوجته . وعليه أن يمنع زوجته وأولاده من أذية أمه بقول أو فعل، وأن يحافظ على احترامها والصبر على ما قد صدر منها، واشعارهم بأن في ذلك خيراً كثيراً وبراً وفيراً،وأن يربط رضاه بهم بمقدار حسن معاملتهم لها وبرها وأن يأمر زوجته ولو باصطناع المحبة لإن لم تكن حقيقة فعلية. ومن ذلك تجنب الحماة والكنة كثرة الاحتكاك واللقاءات إلا لضرورة بحيث لا يمكن مع وجودها إهمال الأم وتركها لوحدها،وإن كان في الحال يسر أنفق على من يخدم أمه من غير أن يجعل زوجته خادمة لها.
وكذا عدم إذكاء غيرة الزوجة بالتذكير الدائم بمميزات أمه في تنظيم البيت أو إعداد الطعام .. وخصوصاً عند الخلاف واشتداد النزاع.
ومن حسن السياسة أيضاً أن لا يعتبر الرجل كلام زوجته وأخبارها في شأن أمه من المسلمات القطعيةوكذا الشأن في كلام أمه عن زوجته حتى يزداد تثبتاً وتريثاً قبل اتخاذ أي قرار. ولا يبخل بنصحه المستمر لأمه على انفراد بحسن المعاملة وكذا لزوجته على انفراد كذلك، ومواساتهما فيما نال بعضها من بعض، ويشعرهما بأن سهام خصامهما تعود في النهاية إلى نحره وتطعن قلب من تدعيان تنافسهما على حبه والظفر برضاه، وهذا كله من أجل أن يتأسس حوار ناجح بين الزوجين .
ثانياً: مستوى الكنة ( زوجة الابن):
هناك مثال يقول: (لابد يا كنة تصيري حماة ) فينبغي أن تهتم ببر زوجها لأمه وقد تكون ضحية لفسقه وسؤ خلقه ولو بعد حين ، ومن ضحى بأمه قد يضحي بكثير غيرها، ثم ينبغي أن تفقه نفسية زوجها وجدة أبنائها حتى تلتمس لها ما تستطيع من العذر، فالحماة عادة تغار فتشعر أن زوجة ابنها قد شاركتها في ملكية ابنها أو انتزعت منها اختصاصها في السيطرة عليه، فيحدث بينها تنافس بينها وبين زوجة الابن، ولهذا لا ينبغي للكنة أن تشعر الحماة بأنها تسعى لحرمانها من زيارة أو انفاق أو اهتمام ابنها، بل ينبغي ان تذكر الزوج الغافل عن ذلك، مما سيعظم قدرها في قلب زوجها وغالباً ما يقوي الود مع حماتها أيضاً، فاحساس الحماة بحب زوجة الابن لها هو تعويض عن سلب ممتلكاتها التي أفنت حياتها في الحفاظ عنها.
كما ينبغي للزوجة أن تستحضر فارق السن بينها وبين حماتها مما يستوجب التوقير والاحترام والتحمل فلا ترد سباً بسب ولا شتم بشتم وتنزلها قدر المستطاع قدر الأم والخالة. ومما ينصح به أيضاً كتمان الزوجة أغلب أحوال زوجها عن أهله سواء إحسان الزوج أو إساءته، فكثرة الحديث عن سيئاته تثير التذمر لشبه بالسب والشتم لقريبهم إن لم يكن هو عينه مالم يصل الأمر إلى الإنحراف والكبائر التي يرجى إصلاحها. وأما عند أهلها فتبسط الحديث عن إحسانه بها وتطوي رداء الإساءة لأن هذه الأخيرة هي مايعلق بالأذهان والقلوب وقلما تنسى، بينما هي وزوجها قد تنسيهما لاحظات الأنس والحلاوة ما هنالك من لقطات الوحشة والمرارة .
*ثالثا: مستوى الحماة (أم الزوج):
ينبغي إشعارها وتعليمها وتذكيرها بضرورة استيعاب الوضع الجديد لابنها بعد الزواج لما يترتب عليها من حقوق وواجباتتجاة الزوجة والأولاد، كما يحسن استحضارها لحالها لما كانت عروسا مع حماتها كيف كانت ترغب في الاستقلال بزوجها لتتفهم وتعذر كنتها في بعض ما تراه من تصرفات، ولو رجعت دواعي الذكريات بالحماة إلى الوراء قليلاً لعلمت أنها في يوم ما قد استأثرت بزوجها وهو يرعاها بمودته، ويغمرها بحنانه ويتدفق عليها بعطفة ، عندها لن تنكر على ابنها أن يشمل أهله بالرعاية والعناية والود والرأفة .. وتعلم الحماة أن مما يكمل لها السعادة سعادة أسرة ابنها وأحفادها وما يتمتعون به من هدوء واستقرار.. وأن عين مصلحة ابنها في صبرها على النقائض وتوفير جو الوئام بينها وبين من هي في حكم ابنتها لا أن توقع ابنها في ع1اب وحيرة بين الرضا وحب أمه ورضا وحب زوجته أم أولاده.
والحماة من دون شك بحاجة إلى جهد أكبر إذا أنشأت ابنها مذللاً يعتمد عليها في معظم أموره، أو كانت ممن عانت وكابدت في تربية الأبناء واجتمع فيها الأب والأم بسبب موت الزوج أو طلاق مبكر، أو ممن ساعدت ابنها بمال عندها ليبني بيته.
*رابعاً: مستوى الزوجين :
عدم إرجاع ما يلاحظانه على بعضهما من أوجه التقصير إلى خلل في تربية الحماة لأحدهما سواء أو الزوجة أو الزوج، مما يترتب عليه من توترهما لما يشعران به من تنقيص أمهما، وكذا من نظرة دونية للحماة تفضي إلى نقص في الاحترام أو غيابه، وعدم إفشاة المشاكل الزوجية الخاصة بينهما لأشخاص آخرين في البيت والعائلة والأقرباء لإلا في حدود ضيقة جداً عند اليأس من حل ما هنالك من إشكالات مع الاكتفاء بها وحدها دون ما تم تجاوزة ويكون ذلك للعاقل التقي فيهم دون غيره.
*خامساً: مستوى هيئات المجتمع:
لماذا في مدارسنا ومعاهدنا وجمعياتنا الثقافية والدينية لا يتم الاهتمام بهذا النوع من الثقافة والتكوين والتأهيل لحياة أسرية ناجحة وإقامة دورات لتدريب الفتيات على القيم الأسرية وغرس روح التعاون الأسري في نفوس زوجات المستقبل حتى تعكس صورة مثالية لزوجة الابن ، وحتى يتسنى لها الانخراط في الوعاء الجديد ، وتصبح كأنها واحدة من أفراد أسرة زوجها تتألم لآلامهم وتلاح لفرحهم. فإذا كانت مؤسساتنا التعليمية قد أعلنت بلسان حالها عجزها عن تأهيل الناشئة للتشغيل فلابد على الأقل من تنشئتهم على ما يؤهلهم لتكوين أسر ناجحة تترسخ فيها المودة والرحمة والسكينة، وتحفظ فيها حقوق الآباء والأبناء والأزواج والكنة والحماة وعموم الأقرباء
No comments:
Post a Comment